المواجهة الإيرانية الإسرائيلية- تحديات وجودية وتغيير المنطقة

المؤلف: حسن أوريد08.28.2025
المواجهة الإيرانية الإسرائيلية- تحديات وجودية وتغيير المنطقة

في خضم النيران المشتعلة بين إيران وإسرائيل، إثر الضربات المتبادلة، لا يسعنا إلا التزام الحذر الشديد في التحليل. فالمواجهة العنيفة قائمة على قدم وساق، ولا يمكن التكهن بنهايتها، خاصة مع تصاعد وتيرة التوتر وزيادة خطر تدخل قوى خارجية، مما ينذر بأخطر أزمة تشهدها المنطقة. والمشهد يزداد ضبابية مع الضربة الأميركية الأخيرة.

بالنظر إلى تاريخ الصدامات التي خاضتها إسرائيل منذ نشأتها، لم يسبق لها أن واجهت خصمًا بقوة إيران، والذي يمثل تحديًا وجوديًا حقيقيًا. يجب أن نستحضر في هذا السياق جميع الصراعات التي دخلتها إسرائيل في أعوام 1948، و1956، و1967، و1973، و1982، و2006، لندرك حجم التحدي الراهن.

من جهة أخرى، لم تشهد الجمهورية الإسلامية مواجهة عسكرية مماثلة للمواجهة الحالية، حتى الحرب العراقية الإيرانية لا تضاهيها، نظرًا للقدرات التكنولوجية والاستخباراتية المتطورة لإسرائيل، وكذلك الدعم الغربي الكامل الذي تحظى به. كلا البلدين يواجهان اختبارًا وجوديًا دقيقًا في قلب هذه الأزمة. وأي إخفاق لأحدهما قد يهدد بقائه.

تمتلك إسرائيل قوة لا يستهان بها، سواء من حيث قدراتها العسكرية الجوية والاستخباراتية، أو الدعم اللامحدود من الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة. هذا الدعم ليس متاحًا لإيران، حيث لم تعلن أي قوة عظمى تأييدها المطلق لها، باستثناء بعض الإدانات الخجولة أو رغبة روسيا في التوسط، وهو ما رفضته إسرائيل وبعض الدول الغربية. باستثناء الدعم الباكستاني لإيران، والذي لا يقارن بالدعم الهائل الذي تتلقاه إسرائيل من مجموعة السبع.

الهدف الذي تسعى إليه إسرائيل باستمرار ليس فقط تدمير البرنامج النووي الإيراني، بل إسقاط النظام الحاكم في طهران وتغيير ملامح منطقة الشرق الأوسط بأكملها. هذه التوجهات تتوافق مع رؤية الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى، والتي عبرت عن موقف مماثل في قمة مجموعة السبع الكبرى التي انعقدت في كندا في السادس عشر من هذا الشهر.

جميع الصراعات تسفر عن منتصرين ومهزومين، وتغير قواعد اللعبة. الحرب الحالية، في ظل التفوق العسكري الإسرائيلي والمساندة الأمريكية والدعم الغربي، لا تصب في مصلحة إيران.

على لسان رئيسها مسعود بزشكيان، صرحت إيران بأنها لا تسعى لامتلاك القنبلة النووية. لكن الرهان الحقيقي هو على بقاء النظام نفسه، الذي يواجه تحديًا كبيرًا بعد سلسلة من الإخفاقات الداخلية والخارجية، بما في ذلك ضعف أذرعه في المنطقة، واختراق مؤسساته الأمنية، وتدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي في البلاد.

في ظل هذه المواجهة واستهداف المدنيين، تشتعل المشاعر الوطنية في إيران ويزداد الغضب من العدوان. ولكن هل ستصمد هذه المشاعر؟ الأرجح أن النظام الإيراني لن يخرج سالمًا من هذا الصراع.

لأكثر من أربعة عقود، ومنذ اندلاع الثورة الإيرانية، كانت إيران تمثل قوة دافعة أيديولوجية وسياسية في المنطقة، وتجاوز تأثيرها حدود الجوار. ولكن من المرجح أن هذا التأثير سيتضاءل تدريجيًا، بل ربما يختفي تمامًا.

في المقابل، تبدو إسرائيل المستفيد الأكبر، على الأقل على المدى القصير، حيث تمكنت من تحييد عدو وجودي وإضعافه، وإجهاض مشروع إعلان الدولة الفلسطينية من قبل فرنسا والسعودية، والتغطية على الوضع المأساوي في غزة. ولكن هل تستطيع إسرائيل تحويل تفوقها العسكري، المدعوم أمريكيًا، إلى مكاسب دبلوماسية؟ بمعنى آخر، هل تقبل المنطقة، قيادات وشعوبًا، بأن تكون إسرائيل قوة مهيمنة؟

نظرة القوى المعتدلة إلى إسرائيل ستتغير بلا شك، في ضوء تراجع ما كان يُنظر إليه على أنه خطر إيراني، والرفض القاطع من جانب الدولة العبرية لحل الدولتين، ونزعتها لفرض إملاءاتها، أي اتباع توجهات تفرضها على الأطراف الأخرى وتقبل بها.

الوضع الجديد الذي ستفرضه الحرب قد يعيد طرح فكرة طالما ظلت حبيسة الأدراج، وهي إنشاء شرق أوسط خالٍ من الأسلحة النووية، وهي الفكرة التي كانت تتبناها مصر وتركيا، ويمكن أن تنضم إليهما المملكة العربية السعودية.

على الصعيد الأمريكي، لطالما كانت منطقة الشرق الأوسط الساحة التي تمارس فيها الولايات المتحدة نفوذها. فبعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، تمكنت من إزاحة بريطانيا وفرنسا من المنطقة، وأرست ما أسمته "النظام العالمي الجديد" بعد نهاية الحرب الباردة، إثر حرب الخليج الثانية عام 1991، وعززت الأحادية القطبية بعد الحرب على العراق عام 2003.

في ظل التغيرات الجارية في التوازنات العالمية، تبعث الولايات المتحدة برسائل قوية من خلال الحرب التي تشنها إسرائيل على إيران، لتأكيد ريادتها، كما أشار الرئيس الأمريكي ترامب في تغريدة له غداة العدوان، مبينًا تفوق السلاح الأمريكي. هذه الرسالة موجهة بوضوح إلى كل من الصين وروسيا.

لكن القوة العسكرية وحدها لم تكن العامل الحاسم في رسم العلاقات بين الدول. فالولايات المتحدة، على الرغم من تفوقها العسكري، لم تتمكن من حسم الأوضاع في أفغانستان والعراق، ولا يُتوقع أن يصبح الشرق الأوسط منطقة "آمنة"، كما يروج الخطاب الأمريكي الرسمي، بعد الحرب التي تشنها إسرائيل على إيران.

أما على مستوى الشعوب في المنطقة، فإن منسوب الغضب سيزداد، بسبب الموقف الأمريكي الواضح في تجاهل القضية الفلسطينية والتخلي رسميًا عن إقامة دولة فلسطينية، وتفاقم سياسة الكيل بمكيالين. كل ذلك ينذر بظهور توجه فكري جديد قد يوظف هذا الغضب لإشعال فصل جديد من صِدام الحضارات.

الشرق الأوسط، الذي يعاني أصلًا من تعقيدات جمة، سيزداد تعقيدًا وتشابكًا.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة